علّة اعطاء الأجور الكثيرة العظيمة
للبكاء على الإمام الحسين عليه السلام
إنّ الأجر والجزاء قد يستعمل في الروايات بمعنى مكافاة العمل وتداركه بشيء آخر فإذا كان الأجر والجزاء بهذا المعنى فتدار العمل يكون بمثله أو بمضاعفة المحدود ولذا قال الله الحكيم في كتابه الكريم: «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيّئة فلا يجزى الاّ مثلها وهم لا يظلمون»(1).
ففي هذه الآية: جزاء السيّئة مثلها وجزاء الحسنة عشر أمثالها. هذا المعنى الأوّل للجزاء والأجر.
وقد يستعمل لفظ الجزاء أو الأجر لا بمعنى مكافاة العمل بل بمعنى العطيّة للعمل. فإذا كان الأجر بهذا المعنى فلا يكون الجزاء بمثلها أو بعشر أمثالها بل يكون بغير حساب. والله تعالى قد يعطى أجر بعض العاملين بهذا المعنى اي لايكون فى عطائه حدّ ولا حساب.
ومن الأعمال الّتي لا يكون الأجر فيه بحساب هو الصبر كما قال الله تعالى: «انّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب»(2). وقد صرّح الله تعالى في هذه الآية الشريفة بأنّ الصّابرين أجرهم بغير حساب، لانّ هذا الأجر عطيّة من الله تعالى إليهم ومن الواضح انّ صبر مولانا المظلوم أبي عبدالله الحسين عليه السلام في ماجرى عليه في كربلاء لايحدّ ولايحصى.
قال في «الخصائص الحسينيّة»: وأمّا صبره عليه السلام، كما ورد ولقد عجبت من صبره ملائكة السموات، فتدبّر في أحواله وتصوّره حين كان ملقى على الثرى في الرمضاء(3) مجرح الأعضاء بسهام لا تعد ولا تحصى مفطر الهامة(4) مكسور الجبهة مرضوض الصدر من السهام مثقوب الصدر ذي الثلاث شعب، سهم في نحره، وسهم في حنكه، وسهم في حلقه، اللسان مجروح من اللوك، والكبد محترق، والشفاه يابسبة من الظماء، القلب محروق من ملاحظة الشهداء في أطرافه ومكسور من ملاحظة العيال في الطرف الآخر، الكف مقطوع من ضربة زرعة بن شريك، الرمح في الخاصرة، مخضب اللحية والرأس يسمع صوت الاستغاثات من عياله والشماتات من أعدائه بل الشتم والاستخفاف من الأطراف ويرى بعينهإذا فتحها القتلى الموضوعة بعضها على بعض ومع ذلك كلّه لم يتأوه في ذلك الوقت ولم تقطر من عينه قطرة دمع، وإنّما قال صبراً على قضائك لا معبود سواك يا غياث المستغيثين، وفي الزيارة ولقد عجبت من صبرك ملائكة السموات.(5)
وممّا أعطى الله تعالى لمولانا أبي عبدالله الحسين عليه السلام من الأجر والثواب ماأعطاه الله لزوّاره عليه السلام وللباكين عليه من الثواب وهو بغير حساب. فما ورد في الروايات من الأمور العظيمة والأجور الكثيرة للزوّار وللباكين على مولانا أبيعبدالله الحسين عليه السلام من باب الإعطاء من الله تعالى إليهم ومن عطاء الله عطاء غيرمجذوذ كما في القرآن الكريم:
«وأمّا الّذين سعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض إلاّ ما شاء ربّك عطاءً غير مجذوذ».(6)
رزقنا الله وإيّاكم زيارة مولانا أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه وأعطانا الله وإيّاكم عطاءً غير مجذوذ.
(1) الأنعام: 160.
(2) الزمر: 10.
(3) الرمضاء: الحجارة الحامية من حر الشمس.
(4) الهامة: رأس كلّ شيء مفطر الهامة أي مشقوق الرأس.
(5) الخصائص الحسينية: 39.
(6) هود: 108.
بازديد امروز : 31916
بازديد ديروز : 108362
بازديد کل : 138268206
|