الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
دور المخالفين والأعداء في ضرورة حفظ الأسرار

دور المخالفين والأعداء في ضرورة حفظ الأسرار

لايختلف اثنان في أنّ الاستكبار العالمي لايخفي أسراره، والأسرار السياسية المتعلقة بسائر الدول على الدول الأخرى وشعوبهم فقط، بل يتعدّى ‏الأمر ليخفيها حتّى على رجالاتهم السياسيّة، حيث تكون تلك الأسرار في يدثلّة قليلة من النخب السياسية والاقتصادية والعسكرية.

وكذلك تعتقد الشركات العالمية العملاقة بأنّ العلّة من النجاحات الباهرة والمكاسب الإقتصادية الحاصلة ناتج من إخفائها للأسرار التي لها ارتباط بعملها، وترى أنّ إفشاء أسرارها يعني الهزيمة والإنكسار ونصر لمنافسيها.

وأمّا في مذهب أهل البيت عليهم السلام فإنّ الأئمة الأطهار أمروا الناس بكتمان‏ الأسرار ليس لأجل مثل هذه الأغراض المحصورة في دائرة المنفعة الشخصية؛ باعتبار أنّ المقاييس في هذا المذهب تختلف عن المقاييس الوضعية، إذ إنّه ‏لايوجد أيّ إشكال في إظهار السرّ إذا كان يبتني على إيجاد حالة من التقدم ‏والتطوّر لدى الأخ في الدين ويكون بعيداً عن المفسدة، ومن هذا المنطلق ‏يقول مولانا أميرالمؤمنين علي‏ عليه السلام لكميل:

يا كُمَيْلُ؛ لا بَأْسَ أنْ تُعْلِمَ اَخاكَ سِرَّكَ... .(223)

وعلى ذلك فإنّ الإنسان يستطيع البوح بسره إلى الشخص الذي يثق به، والذي يكون بمنزلة الأخ له، ويبقى في مقام الأخوة ويحافظ عليه مهما جرت ‏بينهما من اُمور وقضيايا!

وهنا يأتي السؤال: إذا كان إفشاء السرّ إلى الصديق المقرّب جائز ولا غبار عليه، إذن لماذا كلّ تلك التوصيات الواردة في الروايات الدالة على كتمانه؟(224)

وفي مقام الإجابة على هذا السؤال نقول: أوّلاً ؛ لأنّ معرفة مثل هؤلاء الإخوة وطبيعتهم ومزاجاتهم المستقبلية، خصوصاً في الظروف والمتغيّرات ‏المختلفة من الناحية الفكرية التي تحصل في نوع الناس أمر في غاية الصعوبة، لذا فمن الواجب بمكان معرفة الأخ في الدين بصورة جيّدة ودراسة شخصيّته ‏من جميع الجوانب، ومن ثمّ تأتي مرحلة بيان السرّ إليه.

وثانياً فإنّ أمر كتمان السرّ الذي أمر به أهل البيت عليهم السلام لم يأت من أجل‏ الأغراض الدنيوية والشخصية التي يطمح إليها السياسيون وأصحاب الثروات ‏الطائلة، وإنّما جاء من باب عدم قبول الأمة ولأنّ عقولهم لاتتحمّلها، وإلاّ فإنّ ‏الإمام بقيّة اللَّه الأعظم أرواحنا لمقدمه الفداء سوف يكشف إلى العالم أجمع جميع‏ الأسرار العجيبة التي حواها هذا الكون، وذلك حينما تكون الإنسانية على أتمّ‏ الإستعداد في القبول والإذعان لها؛ باعتبار أنّ البشرية في ذلك الزمان لها الأرضية المناسبة لسماعها، لما وصلت إليه من تكامل في الجانب الفكري ‏والعقلي، وكذلك فإنّ تلك الحقبة الزمنية تكون خالية من الطغاة والمفسدين‏ الذين يمنعون في كلّ الأوقات من بيان الأسرار.

لقد كان الحكام الظالمون والغاصبون لحقوق أهل البيت عليهم السلام هم مصدر الفساد والظلم الذي أصاب الإنسانية، والمانع الأساسي في تطورها، فإنّ هؤلاء الأشرار لم يكونوا حائلاً أمام تحقّق حكومة الأئمّة الأطهار صلوات اللَّه عليهم أجمعين ‏فحسب وإنما أبقوا العالم يتخبّط في الجهل والظلمات، فما كان من هذا البيت‏ الطاهر إلاّ الإمتناع عن بيان الأسرار والحقائق.

قال الإمام أميرالمؤمنين علي عليه السلام :

كانَ لِرَسوُلِ اللَّهِ‏ صلى الله عليه وآله وسلم سِرٌّ لايَعْلَمُهُ إِلّا قَليلٌ.

وينقل عن رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله وسلم قوله:

لَوْلا طُغاةُ هذِهِ الْاُمَّةِ لَبَثَثْتُ هذَا السِرِّ.(225)

وهناك تعبير آخر يقول فيه صلى الله عليه وآله وسلم :

لَوْلا طُغاةُ هذِهِ الْاُمَّةِ لَبَيَّنْتُ هذَا السِرِّ.(226)

وهكذا نرى أنّ أهل البيت صلوات اللَّه عليهم قد أخفوا الحقائق الموجودة في ‏عالم الخلق، وكلّ ذلك يعود لوجود الطغاة والغاصبين لحقوق العترة الطاهرة، فهؤلاء الأشرار لم يتمكّنوا من مشاهدة الأراضي الإسلامية في يد أصحابها الحقيقين وهم آل محمد صلوات اللَّه عليهم وإنّما عملوا على أخذ «فدك» التي هي ‏ملك الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام من يد أميرالمؤمنين ‏عليه السلام!

فكيف يهدأ لهم قرار وبال وهم يشاهدون الناس تتجه أفواجاً أفواجاً صوب‏ أهل البيت‏ عليهم السلام والإطلاع على علومهم وأسرار السماوات والنجوم والأرضين‏ والقدرات العظيمة لعالم الغيب والشهادة والعالم اللامرئي؟!

إنّ طغيان وخيانة هؤلاء كان السبب ليس في حرمان الإنسانيّة في ذلك الزمان من‏ تلك الأسرار والعلوم والمعارف ومعرفة المسائل الحياتية فقط، وإنّما ظلّت هذه‏ الحالة سارية حتّى زماننا الحاضر.


223) بحار الأنوار: 416/77، نقلاً عن كتاب تحف العقول: 171.

224) لقد ذكر الإمام أميرالمؤمنين‏ عليه السلام شروطاً معيّنة لمن يمكن البوح لهم بالأسرار، ولمزيد من المعلومات في هذا الجانب ‏يرجى مراجعة كتاب بحار الأنوار: 416/77.

225) بحار الأنوار: 306/95.

226) بحار الأنوار: 267/91.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 3756
    اليوم : 56369
    الامس : 93074
    مجموع الکل للزائرین : 136429306
    مجموع الکل للزائرین : 94065717