الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
أضرار تفشي الأسرار

أضرار تفشي الأسرار

إنّ عمليّة إفشاء الأسرار وعدم القدرة على كتمانها تعني أنّ الشخص يحمل‏ قابليات ضعيفة ولايتمكّن بحال من الأحوال من استيعابها وتحمّلها.

وقد كان أصحاب الأئمّة الأطهار عليهم السلام وخواصهم والذين حملوا لواء علومهم ومعارفهم واستفادوا من أسرارهم امتنعوا عن إفشائها ونقلها إلى ‏الآخرين، وهذا الأمر إذا دلّ على شي‏ء فإنّه يدلّ على قدرتهم العظيمة واستيعابهم الكبير لذلك، ويعتبر بحدّ ذاته وسيلة لترقّيهم وتقدّمهم في‏ المسائل والقضايا المعنوية.

وأمّا في الجانب الآخر ترى الذين لم يستطيعوا كتمان الأسرار وسرعان ما يبوهون بها فإنّ عملهم هذا لن يدلّ على عدم وجود الإستعداد الكافي ‏والأرضية المناسبة والقدرة والطاقة على استيعابها وتحملها فقط، وإنّما هو دليل على شكّهم في أصل الحقائق التي وصلوا لها.

قال صادق أهل البيت عليه السلام :

مُذيعُ السِّرِّ شاكٌّ.(231)

ومن المؤكّد أنّ الشخص الذي يفشي السر إذا كان لم يشكّ به أثناء الكشف ‏عنه فإنّه يشك به بعد ذلك، وهذه قاعدة عامّة؛ باعتبار أنّه يواجه عمليّة التشكيك من قبل الآخرين حول أصل تلك المسائل المطروحة، وفي النهاية يقوم هو بإنكارها ورفضها رفضاً قاطعاً، وهو بالتالي يسقط مرتبة أدنى من‏ المرتبة التي كان عليها.

وهذه حقيقة اوضحها الإمام الصادق عليه السلام في هذا الحديث :

إِفْشاءُ السِّرِّ سُقُوطٌ.(232)

ويمكن الإستدلال بهذا الحديث الشريف على أنّ هؤلاء الذين يعتقدون‏ أنّهم وصلوا إلى مرتبة «الحال» ويؤمنون بإحرازهم المقامات والرتب المتعالية يجب عليهم الإلتفات إلى نقطة، وهي أنّ قولهم بأمور لايجب أن تقال لن تكون ‏باعثاً على إنكار جملة من الحقائق الموجودة لدى بعض الأفراد فحسب، وإنّما يقومون بتهئية المقدّمات الأوّلية لسقوطهم نحو الهاوية والطامة الكبرى.

إنّ الجميع يعلم أنّ الإناء الصغير يمتلئ بمجرّد وضع قليل من الماء فيه، ولكن البحار والأنهر الكبيرة فإنّها تتحمل استيعاب آلاف الأمتار المكعبة من‏ الماء ولايطرأ عليها أيّ تغيّر، وهذا مثل ينطبق تماماً على أولئك الأشخاص‏ الذين يبحثون عن النجاحات والموفقيّة في حياتهم والوصول إلى أعلى‏ درجات الكمالات المعنوية، حيث يجب عليهم أن يحملوا قلباً كبيراً يتّسع‏ لكلّ سرّ يسمعونه، ويمكن لهم توسعة ذلك القلب كلّما ازادت لديهم قوّة كتمانه، ومن خلال هذا المنهج فإنّهم يكونون قد اتبعوا السنن الإلهية، يقول ‏الإمام الصادق ‏عليه السلام في هذا الخصوص:

... اَلسُّنَّةُ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، فَهُوَ أَنْ يَكُونَ كَتُوماً لِلْأَسْرارِ.(233)

ولهذا فإنّ الشخص الذي قطع مسافات كبيرة في الإيمان، ووصل إلى مقام‏ المعرفة، واستطاع نيل الحقائق القيمة عليه الحفاظ على تلك الاُمور، واعتبارها بمثابة قضايا ثمينة يجب إخفاؤها عن عيون الآخرين، فهل يمكن للإنسان‏ العاقل إفشاء قضية الكنز الذي عثر عليه وإخبار الآخرين عن مكان وجوده؟ إذن فالوظيفة الشرعية والعرفية تحتم عليه الحفاظ على السرّ المستودع عنده‏ كما يحافظ على الكنز الذي حصل عليه.

ومن بيان هذه الحقائق فإنّ أولياء اللَّه وأصفياءه هم أشخاص يحملون‏ الحكمة والدراية، ومن المستحيل بمكان إعطاء ذريعة وحجّة بيد من لم يحمل‏ من الرجولة ذرّة، فإنّ أوليائه يزينون شخصيّتهم بحلية السكوت وكتمان السرّ،ولن يفعلوا شيئاً يشين ويقلل من مقامهم ومنزلتهم.

قال الإمام الصادق عليه السلام :

حِلْيَتُهُمْ طُولُ السُّكُوتِ وَكِتْمانُ السِّرِّ.(234)

ومستودعي سرّاً كتمت مكانه

عن الحس خوفاً أن ينم به الحس

وخفت عليه من هوى النفس شهوة

فأودعته من حيث لايبلغ الحس

على أيّ حال؛ فإنّ الأمر المهمّ هنا هو أنّ وجوب حفظ الأسرار والأحاديث‏ التي لايقدر عموم الناس على تحمّلها ومعرفتها وقد جاءت روايات متعدّدة عن ‏أئمّة أهل البيت ‏عليهم السلام تؤكّد على أتباع هذا المذهب بالعمل دوماً بضرورة الحفاظ على ذلك والسعي بكلّ قوّة من أجل عدم إفشائها وبقائها في مستودع القلب.


231) بحار الأنوار: 88/75، نقلاً عن كتاب أصول الكافي: 371/2.

232) بحار الأنوار: 229/78، عن كتاب تحف العقول: 315.

233) بحار الأنوار: 291/78، عن كتاب تحف العقول: 307.

234) بحار الأنوار: 352/67.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 3820
    اليوم : 23813
    الامس : 52396
    مجموع الکل للزائرین : 133673008
    مجموع الکل للزائرین : 92497138