الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
من هم الّذين تقبل زيارتهم ؟

  من هم الّذين تقبل زيارتهم ؟

  وهنا يقفز إلى الأذهان سؤال يبحث عن الإجابة وهو : هل إنّ أولياء اللَّه الصّالحين والمؤمنين هم وحدهم من تقبل زيارتهم؟ أم أنّ هناك وسائل وطرقاً كفيلة بقبول زيارة حتّى اؤلئك الأشخاص العاصين والمذنبين ؟ وإذا كانت هذه الطرق موجودة فما هي إذن ؟

  ولأجل الإجابة على هذا السّؤال ينبغى التّركيز على هذه النّقطة وهي :

  لا شكّ ولا ريب فإنّ الأشخاص الّذين لديهم قلوب نقيّة وصافية وطاهرة ، ويسعون دوماً إلى الحفاظ على حرمهم الباطني (القلب) ، وعدم تلويثه بواسطة المعاصي والآثام ، فهم الّذين يحظون بالضّيافة المعنويّة للإمام صلوات اللَّه عليه وسلّم وبكراماته وعناياته ، ويعودون بزيارة مقبولة وأجر جميل.

  ونحن بدورنا نطلب من هؤلاء الدّعاء، ونلتمس منهم وهم في هذه المراتب والحالات الروحيّة والمعنويّة السامية إلى الإلتفات إلى مسألة في غاية الأهميّة ، ولانعتقد أنّ هناك أعظم منها في عصر الغيبة المظلم ، وهي : الدّعاء إلى مولانا صاحب العصر والزّمان أرواحنا لمقدمه الفداء والطّلب من اللَّه سبحانه وتعالى في تعجيل أمره ، ووضعها في مقدّمة حوائجهم .

  وهناك أيضاً نقطة لابدّ من ذكرها وهي : أنّى لهؤلاء الّذين تجاوزوا ، وهتكوا حرمة القلب وقداسته من خلال ارتكابهم مختلف أنواع وأشكال المعاصي والذّنوب ، وكيف لهم الدّخول والتّشرف لزيارة حرم الإمام الرّضا عليه السلام ، وكيف ينالون عناية الإمام عليه السلام وكرمه وهم في هذه الحالة ؟

  وكيف يستفيدون من بركات الزّيارة ، وهم يحملون بين جنباتهم قلباً مريضاً أصاب العين والاُذن بالأعمى والصمم ؟

  وأنّى لهم وهم على هذه الحالة من طريقة لمحو آثامهم وذنوبهم ، ونيل الشّفاء الرّوحي من الإمام الرؤوف عليه السلام ؟

  وهل أنّ هناك أسلوباً أو منهجيّة تتّبع كي نجعل الإمام ‏عليه السلام ينظر إلينا نظرة عطف وإكرام ، وتكون زيارتنا عنده مقبولة على الرغم ممّا نحمله في وجودنا من ذنوب ومعاصٍ ؟

  وهذا السّؤال بحدّ ذاته سؤال مهمّ للغاية ، فإذا استطعنا الإجابة عليه ومعرفته فسوف نحصل على نتائج وبركات وآثار طيّبة .

  وقبل الإجابة عليه ، ننقل إليكم قصة طريفة وهي كما يلي :

ينقل أنّ أحد الفقراء جاء يوماً إلى زيارة ملك من الملوك ، فلمّا رآه الملك على هذه الحالة وتلك الهيئة المزرية أعرض عنه.

  فنظر أحد المقرّبين من الملك إلى الفقير قائلاً : اي أبله ؛ ألا تعلم أنّ المجي‏ء وزيارة الملك بهذه الحالة هو قبيح وعيب كبير؟

  فأجابه الفقير على الفور : إنّ المجي‏ء عند الملك بهذه الحالة ليس قبيحاً وعيباً ؛ وإنّما الخروج منه بنفس الهيئة هو العيب بنفسه.

  فلمّا سمع الملك منه ذلك ، تعجّب من كلامه وسرّه ، فقام بإكرامه وأعطاه مالاً كثيراً.(63)

  ففي هذه القصّة لم تكن حالة وهيئة الشخص سبباً أساسيّاً في العزوف عن إكرامه والرأفة به ؛ وإنّما وجود الإعتقاد الرّاسخ بكرم وعطاء الملك أدّى به إلى أن ينظر إليه الملك نظرة عطف ورأفة ، وأن يفرح ويسرّ به على الرّغم من هيئته المتواضعة .

  ويمكن الإستفادة من هذه القصّة بعض الدّروس والعبر أهمّها : إنّ المعاصي والآثام والمظهر الظاهري أحياناً لاتؤدّي بالنّتيجة إلى منع كرم ولطف الملوك من بني البشر ؛ كذلك فإنّ المعاصي الظاهريّة والباطنيّة لاتكون مانعاً حقيقياً في صبّ الجود والكرم من قبل سادة الخلق أهل البيت ‏عليهم السلام ؛ بل أحياناً يزيد من كرمهم وعنايتهم ، وهذا يحدث عند ما يدخل الإنسان عن طريق يكون سبباً لدرّ محبّتهم ، وجلب رضاهم عليهم السلام .

  وكما هو واضح لدينا ، فإنّ هناك طرقاً متعدّدة لتحقيق هذا الأمر ، منها جعل بعض من أئمّة أهل البيت‏ عليهم السلام واسطة وشفيعاً - مثل الإمام الجواد عليه السلام - ؛ فإنّه مثلاً إذا قدّمناه إلى الإمام الرّضا عليه السلام ، وجعلناه شفيعاً مستشفعاً ، فهو سيكون سبباً كافياً لقضاء الحوائج ، وإستنزال كرامات وألطاف الإمام عليه السلام.

  ونحن بدورنا نذكر هنا طريقاً يتناسب تماماً مع الوضع العامّ للنّاس ، وقبل بيانه نأتي بمثالٍ لشرح وبيان الموضوع أكثر :

  هناك بعض الأشخاص يعملون حمّالين ، فهؤلاء يحملون بضائع النّاس على أكتافهم ، ويوصلونها إلى المكان المطلوب ، وفي بعض الأحيان يعجز هؤلاء نظراً إلى ثقل الحمل على حمله ووضعه على الأرض ، فيحتاجون فيه إلى مساعدة الآخرين ، ولكن في الحمل الخفيف فإنّهم يتمكّنون وبسهولة من حمله على الأكتاف ووضعه على الأرض .

  وهذا المثال يشبه إلى حدّ كبير قضيّة حمل الذّنب والمعصية ، والولوغ فيها، فأحياناً يتمكّن الإنسان وبسهولة من الرّجوع عنها والتّوبة والنّجاة ، ولكن أحياناً اُخرى تضحى المعاصي أمراً ثقيلاً لايستطيع الإنسان من حملها بسهولة من دون المساعدة لكي ينجّي نفسه .

  ونقول وبكلّ أسف : إنّ معصية الإنسان هي في أغلبها من النّوع الثّاني ؛ حيث تجرّه المعاصي إلى معاصٍ اُخرى يكون عاجزاً معها عن التّراجع عنها ، ولأجل الخلاص والنّجاة منها عليه أن يسلك الطريق الصحيح لذلك .

  إنّ الإنسان الّذي أطلق العنان لنفسه لتقترف ما تهواه من معاصي وآثام دون أن يكبح جماحها فتراكمت عليه الذنوب والآثام ، إنّ الإنسان الّذي اعتاد على العيش في الزمن الّذي غاب فيه المصلح الأعظم والمرشد الأكبر ، إنّ الإنسان نأى بجانبه عن هواه وأدبر عن ذكر مولاه صاحب الأمر عجّل اللَّه تعالى فرجه ولم يحرّك ساكناً في السير نحوه ، هكذا إنسان وبهكذا حال وهكذا وضع ، كيف يمكن له أن يعود إلى صوابه ويلقي ما على كاهله من آثام وذنوب وتبعات الغفلة دون دعم ومساندة وتأييد ؟

  وكيف يستطيع أن يضمن نجاة نفسه بعد عمر طويل قضاه بارتكاب المعاصي والذّنوب؟! ولأجل الإجابة على هذا السّؤال ، يمكن الرّجوع إلى القصّة الّتي مرّ ذكرها والّتي تعلّقت بذلك الشّخص الفقير الّذي ذهب إلى الملك ، وحصل على مكافئته.

  ومع أنّنا نأتي لزيارة الإمام ‏عليه السلام ووجودنا كلّه ملوث بشتّى أنواع الذّنوب والمعاصي ، وهذا هو عمل قبيح ومشين بحدّ ذاته ، ولكن كرم ذلك الإمام ‏عليه السلام وعطفه وصفة التطهير الّتي منحها له البارئ عزّ وجلّ تجعله‏ عليه السلام يتجاوز عنّا ، وليس هذا وحده فالأهمّ من ذلك إنّنا ندخل إلى حضرته الشريفة بالذّنوب ، ونخرج منها مغفوري الذنوب كما ولدتنا اُمّهاتنا .

  وهنا يجب أن نقول لمولانا ومقتدانا الإمام الرّؤوف عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام : مولاي وسيّدي ؛ إنّ ذنوبنا كثيرة وثقيلة ، ولانستطيع أن نتخلّص منها دون عون وتصديد ، لذا نستغيث بك ونطلب أن تشملنا بألطافك وكرمك ، وبواسطتك ننجو ونتخلّص منها .

  وليكن لديكم اليقين الكامل أنّ الإنسان ومهما غاص في بحر آثامه ، فإنّه إذا استغاث بكلّ وجوده ومن أعماق قلبه المكسور - وليس لقلقة لسان ، وإنّما بصدق - وطلب من الإمام‏ عليه السلام الأخذ بيده ، وإنقاذه ممّا هو عليه بعد شعوره بعجزه تماماً ، فإنّ الإمام ‏عليه السلام لايتوانى لحظة واحدة عن مساعدته ، وبطرفة عين سوف يمدّ يد المساعدة له ، وينظر إليه ، ومن خلال تلك النّظرة الإعجازيّة سيطهّره ، ويوجد عمليّة التّحوّل والتّغيّر عنده .

  وهنا حقيقة يجب الإذعان والقبول بها وهي : إنّ الإمام الرّضا عليه السلام لايحتاج إلى مقدّمات أوّلية أو قناعات ، ولكن نحن علينا إيجادها وإنقاذ أنفسنا . وأمّا تهيئة المقدّمات فتتمّ عن طريق دخولنا الحرم المبارك ، مدركين عظمة خالق الكون ، ونضعها نصب أعيننا ، ولانكون كالّذين نسوا اللَّه فأنساهم أنفسهم ، فأصبحنا لانكترث بما تقترفه من آثام ؛ بل علينا أن نرتقي إلى مستوى ترويض النفس وهي أن ندرك أنّنا ركنا إلى المعصية والمخالفة وخنعت أنفسنا بعصر الغيبة المظلم ، والغفلة عن الإمام صاحب العصر والزّمان أرواحنا لمقدمه الفداء ، وإنّنا نستغيث بالإمام الرّضا عليه السلام لأجل النّجاة من هذا الإعتياد والرّكون والخنوع .

  وأيضاً علينا الإعتقاد الكامل بالجرم الّذي ارتكبناه ونحن في ذلك المكان المقدّس والطّاهر ، والطلب من الإمام عليه السلام بكلّ صدق وإخلاص النّجاة منه .

  ففي هذه الحالة سوف تشفي نظرة الإمام ‏عليه السلام الرحيمة ، وتطهّر قلوبنا الداكنة ، وبذلك نلتحق بقوافل وركب مجاميع الرجال والنساء الّذين قاتلوا ببسالة وشجاعة في ميدان الجهاد الأكبر - النّفس - وانتصروا في النّهاية بعزيمة وإصرار.


63) للمزيد يمكن مراجعة كتاب : كشكول الإمامة : 356/3 .

 

 

 

 

    زيارة : 8250
    اليوم : 11453
    الامس : 97153
    مجموع الکل للزائرین : 131687689
    مجموع الکل للزائرین : 91347978