الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
قدرة الإرادة والعزم تغلب السجية

   قدرة الإرادة والعزم تغلب السجية

إنّ طبائع وسجايا الإنسان جبلت بشكل يجعلها تمتزج بمرور الزمان وتكون جزءاً لايتجزأ من شمائله ونزعاته ويكون ‏معتاداً وملازماً لها ولن تكون له القدرة على تركها بحال من الأحوال، يقول الإمام الصادق‏ عليه السلام في هذا الصدد:

اَلْخُلْقُ خُلْقان اَحَدُهُما نِيَّةٌ وَالاخِرُ سَجِيَّةٌ، قيلَ: فَأَيُّهُما اَفْضَلٌ؟ قالَ ‏عليه السلام: اَلْنِيَّةُ؛ لِاَنَّ صاحِبَ السَّجِيَّةِ مَجْبُولٌ عَلى اَمْرٍ لايَسْتَطيعُ غَيْرَهُ، وَصاحِبَ النِّيَّةِ يَتَصَبَّرُ عَلَى الطّاعَةِ تَصَبُّراً فَهذا اَفْضَلٌ.(53)

إنّ الإنسان الموفق يضع ضمن سجله المفتوح في هذه الحياة الأخلاق الحسنة والصالحة في أولويات منهجه الحياتي‏ وفي كلّ حركاته وسكناته لتكون جزءاً من سجيته وطبيعته التي لايمكن تجاوزها والعبور فوقها، والإبتعاد عن الأخلاق‏ السيئة والبذئية التي كان عليها، ومن المستحيل تحقّق هذا الأمر إلاّ من بعد إستشعار هذه الاُمور في قلبه ويمارسها في‏ سلوكه الحياتي بشكل عملي.

إنّ ذا القرنين جال العالم بشرقه وغربه وشاهد شعوباً ومللاً مختلفة، وتعرف عن قرب  على طباعهم وأخلاقهم، فلم‏ يعجبه منهم إلاّ قوم استطاعوا أن يلفتوا نظره، فرآى منهم ما جعله يستغرب ويتعجب، فهؤلاء كانوا يتمتعون بأعلى ‏درجات الخلق السامي وتربطهم ببعضهم أواصر اجتماعية في غاية الروعة والجمال والقوة، ولم يشاهد بينهم أثراً للقتل ‏وسفك الدماء والظلم والخيانة وهم بعيدون كلّ البعد عن أي رذيلة إنسانية.

ولهذا وقف ذو القرنين متحيراً من ذلك فسألهم أسألة كثيرة وحصل على إجابات مقنعة منهم فسأل منهم:

فَمالَكُمْ لاتَسُبُّونَ وَلاتَقْتَتِلُونَ؟ قالوُا: مِنْ قِبَلِ اَنَّا غَلَبْنا طَبائِعَنا بِالْعَزْمِ وَسَنَّنا اَنْفُسَنا بِالْحِلْمِ.(54)

ومن هنا يمكن القول: إنّ الشخص الذي جبله على ممارسة الظلم والقتل أو التعود على الكذب والرياء أو الإصابة بنوع‏ من الفتور والتقاعس والتراخي في الوظائف والمسؤوليات المنوطة به أو تمتع بأي صفة رذيلة، يستطيع ومن خلال قوة العزيمة والإرادة تركها وتجنبها وتغلب عليها، واهتدى صوب الأفعال الإنسانية الحميدة التي تنسجم مع الفطرة السليمة التي جبل عليها بنو البشر.

بقدر الكدّ تكتسب المعالي

ومن طلب العلا سهر الليالي

ومن رام العلا من غير كدّ

أضاع العمر في طلب المحال

تروم العزّ ثمّ تنام ليلاً

يغوص البحر في طلب اللآلي

إنّ الإنسان يستطيع وبواسطة تلك الإرادة وهمة الرجال العالية من القضاء ليس على الصفات الرذيلة فحسب، وإنّما بإمكانه أن يبدلها إلى صفات ومواقف وضوابط أخلاقية تكون محالاً للثناء والإطراء.


53) بحار الأنوار: 257/78.

54) إكمال الدين: 227، نقلاً عن بحار الأنوار: 192/12.

 

 

 

 

    زيارة : 2659
    اليوم : 19393
    الامس : 110833
    مجموع الکل للزائرین : 133275574
    مجموع الکل للزائرین : 92245974