الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
حفظ التعادل والتنسيق في الحالات العرفانية

حفظ التعادل والتنسيق في الحالات العرفانية

بطبيعة الحال يجب على الذين اتجهوا صوب المسائل العرفانية الحفاظ على التوازن والتنسيق في الحالات العرفانية التي وصلوا إليها، وذلك من أجل ‏النجاة من الحالات الإستثنائية وغير المقبولة.

ولهذا نرى أنّ العظماء يجدون نوعاً من التنسيق والتعادل بين الكراهية والتي هي من الحالات والصفات المذمومة والسلبية التي يجب أن تكون‏ موجودة فيها وبين الحماسة والشوق التي تعتبر من الحالات الإيجابية، والتي‏ أيضاً لابدّ من توفرها فيها؛ لأنّ من ضروريات التقدم والتطوّر في الاُمور المعنوية هي حصول ذلك التعادل والتنسيق.

وكما أنّ إشعال المصباح الكهربائي يحتاج إلى قطبين سالب وموجب معاً، فإنّ إشعال الحالات المعنوية في النفس يحتاج إلى ذينيك القطبين والتنسيق‏ فيما بينهما والإستفادة من كلّ واحد منهما حسب مكانه وموقعيته.

وعلى هذا الأساس فكما أنّ محبّة ولاية أهل البيت ‏عليهم السلام التي دخلت في‏ أعماق قلوبنا والتي ستبقى ترنّ في آذان الزمن حتى قيام الساعة فإنّ الواجب‏ يقتضي وجود البراءة والنفرة والبغض والعداء لأعدائهم وناكري ولايتهم‏ ومناقبهم وفضائلهم في قلوبنا أيضاً.

وكما أنّ الواجب يحتم علينا النفرة بالنسبة للأشرار والظالمين فإنّه نفسه ‏يحتم إيجاد حالة الشوق والحنين بالنسبة إلى الأخيار والأبرار، ولهذا السبب‏ نرى أنّ العارفين الحقيقيّين يعادلون حالة النفرة والملل الحاصل نتيجة أوضاع ‏المجتمع والعالم بالشوق والنشاط في المسائل المعنوية والتنسيق ما بين‏ الإثنين حتى يكونوا قادرين على استيعاب كلّ شي‏ء من دون حصول حالات ‏الخمول واللامبالاة للاُمور. 

ومن هنا فإنّ الإمام أميرالمؤمنين علي‏ عليه السلام يصرّح بأنّ الشوق هي حالة الشخص العارف فيقول:

الشَّوْقُ خُلْصانُ الْعارِفينَ.(54)

ومع أنّ هؤلاء قد تصيبهم حالات من الخمول والكسل والإضطرابات ‏الروحية نتيجة اصطدامهم بالمسائل التي توجب النفرة، والتي من شأنها أن‏ تؤلم روحهم اللطيفة، ولكنّهم في الوقت ذاته يبعدونها بوسيلة حالة الإشتياق‏ والنشاط، وبهذا الطريق يجدون حالة التنسيق والتوازن والتعادل.

يقول الإمام أميرالمؤمنين علي‏ عليه السلام إلى «همام» في شرحه أوصاف الإنسان‏ المؤمن:

تَراهُ بَعيداً كَسِلُهُ، دائِماً نَشاطُهُ.(55)

وعلى ضوء ذلك فقد تعلمنا من مذهب أهل البيت صلوات اللَّه عليهم أجمعين: يمكن جبران اليأس الحاصل نتيجة كثرة الذنوب والمعاصي من خلال العفو الرحمة الإلهية، فقد جاء في الدعاء الوارد بعد ركعتي الصلاة في يوم الجمعة:

اِنْ اَقْنَطَتْني ذُنُوبي نَشَّطَني عَفْوُكَ.(56)

ومن المؤكّد فإنّ معرفة مسألة بسط النفس وقبضها من المسائل المهمّة جدّاً في الحالات الروحيّة والعرفانية فلابدّ من الإهتمام بها والتركيز عليها.

إنّ الإنسان ونتيجة المعاصي والذنوب تتسلّط عليه حالة من القبض والغمّ، ومن ثمّ تعتريه حالة «البسط» بعد الإيمان بمبدأ  العفو والصفح من جانب البارئ‏ عزّ وجلّ؛ لأنّ العفو الإلهي لازمته النشاط والأمل والعمل من جديد في تحصيل‏ الخير والعمل الصالح.

ومن هنا لابدّ للإنسان من طلب العفو والتوبة من اللَّه تعالى، وذلك بعد كلّ ‏معصية وذنب اقترفه حتّى لاتختل الموازين بين حالة القبض والبسط، ويكون‏ هناك نوع من التوازن والتنسيق بينهما، حيث إنّ الإيمان بالعفو الإلهي يرفع حالة القبض، وبما أنّه يأتي بالسرور والنشاط فعليه سوف يوجد حالة البسط في النفس.

قال الإمام أميرالمؤمنين علي ‏عليه السلام:

اَلسُّرُورَ يَبْسِطُ النَّفْسَ وَيَثيرُ النَّشاطَ.(57)

لذا ينبغي للإنسان العاصي العمل على إيجاد التعادل والتنسيق بين حالة القبض والحزن وبين السرور والنشاط التي تتأتّى نتيجة العفو والتوبة الإلهيّة حتّى لاتحصل عمليّة القنوط وفقدان الأمل في الحياة، ومن ثمّ تكرار المعصية والذنب.

وعليه فقد اتضحت العلة الأساسية من عمليّة حفظ التعادل في الحالات ‏الروحية، إذ إنّ الأشخاص الذين يرغبون في التحليق الروحي لابدّ لهم من‏ التحليق بجناحين، وإلّا فإنّ سقوطهم يكون حتميّاً لامحال، إذن يجب ‏الإستفادة من الجناحين والقطبين لإيجاد حالة التعادل والتنسيق بين الحالات‏ المتقابلة في النفس.


54) شرح غرر الحكم: 214/1.

55) بحار الأنوار: 367/67.

56) بحار الأنوار: 370/89، عن مصباح المتهجّد: 223.

57) شرح غرر الحكم: 113/2.

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 2712
    اليوم : 47327
    الامس : 52396
    مجموع الکل للزائرین : 133720027
    مجموع الکل للزائرین : 92520652