الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
هل تعرف مَن وضع القنبلة في الحضرة الشّريفة ؟!

هل تعرف مَن وضع القنبلة في الحضرة الشّريفة ؟!

  إنّ النّقطة الاُخرى المهمّة التّي يجب أن يعطيها الشّيعة والموالون والمحبّون لأهل البيت عليهم السلام عناية أكثر هي : أنّه على الرغم من أنّنا نقبل باب الحضرة وجدارها بكلّ لهفة واشتياق ، ونقدسّها بكلّ المعايير ونصب جام غضبنا وانتقامنا على كلّ أؤلئك الّذين يريدون هدمها وتخريبها ، وكذلك فإنّ مسؤوليّة الحفاظ على أمنها وسلامتها خارجة عن عهدتنا ، وليس لدينا القدرة على ذلك ؛ ولكن هذا لايعني التنصّل عن الحفاظ على حرمة وقداسة حرم اللَّه عزّ وجلّ ، والّذي هو حرم أهل البيت ‏عليهم السلام .

  ويجب على كلّ إنسان آمن باللَّه واليوم الآخر ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ومنزلة ومكانة أهل البيت‏ عليهم السلام السّعي بكلّ جدّيّة للحفاظ على هذه الرّوضة المقدّسة وبقائها مصونة أمام أيّ تهديد وخطر يمكن أن يلحق بها . ووضع البارئ عزّ وجلّ مسؤوليّة الحفاظ عليها وصيانتها على الجميع ، وأراد منهم العمل بكلّ ما اوتوا من قوّة لدعم وتعزير هذا الموضوع.

  وقد أكّد أهل بيت الوحي عليهم السلام على أهمّيّة الحفاظ على عظمة وأهميّة وقداسة هذا الحرم الطّاهر ، وبيّنوا عظمة الخدمة فيه كما وأبدوا سخطهم على من لايراعي في ذلك حرمة ولا قداسة.

  فهل تعلم - عزيزي القارئ ؛ - أيّ حرم ذلك الّذي يجب على كلّ مؤمن أن يكون له طريقاً للدخول فيه والمرور منه ؟ فإذا كنت لاتعرف أيّ علامة عن ذلك الحرم ، فاسأل مذهبَ أهل البيت عليهم السلام عنه ؛ كي تعرف أيّ حرم هو؟

  ينقل العلاّمة المجلسي رحمه الله في كتابه بحار الأنوار عن الإمام الصّادق عليه السلام أنّه قال :

القلب حرم اللَّه فلاتُسْكِنْ في حرم اللَّه غير اللَّه.(1)

  وهناك أيضاً العديد من الرّوايات المهمّة الاُخرى المنقولة عن الرّسول الأكرم‏ صلى الله عليه وآله وسلم ، منها أنّه قال صلى الله عليه وآله وسلم :

 ناجى داود ربّه فقال : إلهي لكلّ ملك خزانة ، فأين خزانتك ؟

 قال جلّ جلاله : لي خزانة أعظم من العرش ، وأوسع من الكرسيّ ، وأطيب من الجنّة ، وأزين من الملكوت ، أرضها المعرفة ، وسماؤها الإيمان ، وشمسها الشوق ، وقمرها المحبّة ، ونجومها الخواطر ، وسحابها العقل ، ومطرها الرحمة ، وأثمارها الطاعة ، وثمرها الحكمة .

 ولها أربعة ابواب : العلم والحلم والصبر والرضا ؛ ألا وهي القلب .(2)

  وكما ترون ، فإنّه قد عبّر عن القلب بحرم اللَّه وأعظم من عرش اللَّه و... ، فإذا تمّ المحافظة عليه ومراعاة قداسته بشكل جيّد وسعينا في احترامه وإجلاله وتكريمه ، فإنّه سيكون موضع رضا وقبول في الروضة المباركة للإمام الرّضا عليه السلام ، وبذلك ننال المقامات المعنويّة والفيوضات السنيّة في ذلك المكان الطّاهر والشّريف .

  وعلى هذا الأساس نعيد القول هنا ونؤكّد على الحفاظ على هذا الحرم وهيبته ، وأمّا إذا اتّبعنا النّفس الأمّارة وأهواءنا فإنّنا قد خطونا الخطوة الاُولى لهدمه والقضاء عليه ، إنّنا إذا ابتعدنا عن أحاديث وعقائد أهل البيت عليهم السلام وسلكنا وادياً آخر ولم نرفع أيدينا عن ما حرّمه الشّرع من محارم وإذا لم نبد إهتماماً من عواقبها فسنرتكب وكنتيجة طبيعيّة لذلك لجملة من المعاصي وقبائح الأعمال تبقى وصمة عار على جبين فاعليها إلى أبد الآبدين من قبيل وضع قنبلة وتفجير حرم اللَّه عزّ وجلّ أو العمل على تفجير قلوبنا .

  ولانجافي الحقيقة إذا قلنا : صحيح أنّ الإنفجار الّذي حصل في الحضرة المقدّسة قد أقرح جفوننا وآلم قلوبنا ، لكن هناك قضيّة علينا التّوجّه إليها وهي : إنّ الذّنوب والمعاصي تعمل عمل المتفجّرات ، فتدمّر قلوبنا الّتي ينبغي أن تكون هي حرم اللَّه عزّ وجلّ ، وكذلك فإنّ نفوسنا مشمئزّة من ذلك الشّخص الّذي وضع القنبلة في ذلك المكان المقدّس ، ونعتقد بكلّ وجودنا بأنّه شخص خائن باع نفسه ؛ لكن في الوقت نفسه يجب علينا أن ندرك أنّ النّفس الّتي بين جنبينا - تسعى إلى تخريب القلوب - هي أكبر الأعداء وأقواها ، كما صرّح بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم حين قال :

أعدى عَدوّك نفْسُك الّتي بيْن جَنْبَيْك .(3)

  وهنا نقطة يجب توضيحها وهي : أنّه من الممكن لمثل هذا الشخص الّذي تلوث قلبه أن يصاب بحالة من النّسيان ويغفل عن ذكر اللَّه سبحانه وتعالى ممّا يؤدّي إلى أن ينسى نفسه ، وهذه حقيقة صرّح بها اللَّه عزّ وجلّ في كتابه المنزل ، فيقول: «وَلاتَكُونُوا كَالَّذينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ» .(4)

  إنّ هذا الإنسان قادر على أن يدرك الجرائم الّتي يقوم بها الآخرون بصورة لايكتنفها أي ضبابيّة ، ويمكنه شرحها وإظهارها ، ولكنّه لايرى نفسه مجرماً في جميع الأحوال ليعالجها ؛ إذن ، فمثل هكذا شخص يكون غارقاً في جهل مركّب ، فهو لايعلم ولايعلم أنّه لايعلم .

  فمن الممكن أن يتأثّر ويتألّم هذا الشّخص بما جرى في الضّريح المقدّس للإمام الرّضا عليه السلام في يوم عاشوراء وبقيّة الأماكن الاُخرى ، ولكنّه لايعير أيّ أهمّيّة تذكر إلى موضوع التّخريب التدريجي الّذي يصيب قلبه ، والسّبب يعود في ذلك إلى أنّه نسي نفسه ، فأضحى قلبه الّذي كان ينبغي أن يكون حرماً للَّه سبحانه وتعالى مترعاً للشّياطين ، ولهذا فكلّما توغل قلبه في الاثام والمعاصي كلّما أصبح بعيداً عن اللَّه عزّ وجلّ ، وخالياً من أيّ شي‏ء ما عدا الأهواء النّفسيّة .

  إنّ المذهب الشّيعي الحقّ يؤكّد باستمرار ، ويحثّ أتباعه على معرفة عدوّهم والحذر منه ، وهذا الأمر لايتعلّق بمعرفة وتشخيص العدوّ الخارجي لنا فقط ؛ وإنّما معرفة تلك النّفس الأمّارة بالسّوء ، فهي أخطر بكثير من عدوّنا الخارجي ، ويجب أن نعلم أنّ ضربة العدوّ ليست هي القاضية ؛ بل النّفس الّتي تحبّب العدوّ في القلب .

  وفي هذه الحالة فإنّ الإنسان صاحب هذه الخصلة قد بدأ في خطوة مهمّة في تخريب وتفجير قلبه ، ولكن - وكما صرّح اللَّه سبحانه وتعالى بذلك - فإنّه تناسى وتغافل عنه .

  إذن ؛ ومن هذا المنطلق يجب أن تكون المعادلة بين معرفة العدّو الخارجي وخططه وأساليبه الخبيثة والرّخيصة والمتمثلّ بالولايات المتّحدة الأمريكيّة وإنجلترا وأذنابهما ، وبين معرفة وتشخيص العدوّ الدّاخلي والنّفس الأمّارة وأهوائها متساوية ويكون الحذر منهما بنفس النّسبة والمستوى .

  الآن وبعد هذه المباحث فقد عرفنا أنّنا ومن خلال ارتكاب المعصية والقيام بالأعمال المنافية للشّرع نكون قد وضعنا وبإرادتنا قنبلة موقوتة في حرم قلوبنا ، وعلينا أن نعلم كذلك أنّ من المسلّمات المتّفق عليها هي :

  أنّ أهل البيت عليهم السلام هم المحور وهم قطب الرّحى ، والحبل الممدود من السّماء إلى الأرض ؛ ولكن مع كلّ الأسف فإنّ الاُمّة قد اتّخذت موقف المتفرّج منهم ، وإلاّ فإذا كانت قد التفّت حولهم ونصرتهم من بعد وفاة النّبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وحتّى زماننا الحاضر لما آلت الاُمور إلى تلك الحالة ، ووضع القنابل في الأماكن المقدّسة وتفجيرها وانتهاك حرمتها من قبل الخونة والعملاء . فحالهم كحال صاحب الأمر عجّل اللَّه تعالى فرجه حيث أشار إليه الإمام أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام مبيّناً إدبار الاُمّة عنه وإنكارهم له وعدم القبول به والتوجّه إليه ، فقال عليه السلام :

  صاحب هذا الأمر الشريد الطريد الفريد الوحيد .(5)

  ولهذا فلو لم تسلك الاُمّة هذه المنهجيّة المنحرفة والسّلوك الإعوجاجي ونكران الإمام صاحب العصر والزّمان أرواحنا لمقدمه الفداء ، فهل من المعقول أن يقدم أعداء اللَّه والإنسانيّة والتّجاوز على حرمات ومقدّسات البارئ عزّ وجلّ ، وتفجير المرقد الطّاهر للإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام ؟

  إذن ؛ ونحن مع كلّ هذا العداء الّتي نكنه لأعدائنا وما يقومون به من أعمال مشينة يندى لها جبين الإنسانيّة جمعاء ، لكنّنا وبدلاً من أن نضحي في سبيل نصرة المبادئ والأهداف الّتي يقوم من أجلها الإمام المهدي أرواحنا لمقدمه الفداء ، والّتي قدّم أئمّة أهل البيت عليهم السلام حياتهم الغالية ، فقد سلكنا طريقاً يأخذنا بعيداً ويجرنا إلى الغفلة عنهم ، وبالتّالي عدم الوقوف سدّاً منيعاً بوجه الأعداء وجعل الطّريق سالكاً لهم .

  وكانت نتيجة ذلك ، أن استطاع أعداء الدّين إيجاد الفرق الضّالّة من قبيل الوهّابيّة والبهائيّة و... والعمل على دعمها وتقويتها ، وتمكّنوا بواسطتها من تحقيق ما يصبون إليه من أهداف مشؤومة .

  وأمّا الخاخامات اليهود فقد راودتهم أحلام ورديّة بالقضاء على الدّين الإسلامي الحنيف ، ولكنّهم غافلون على أنّ الإرادة الإلهيّة الّتي بها خلق اللَّه جميع ما في الكون من كواكب هي الّتي وعدت وتكفّلت بنصره ، والغلبة على جميع أعدائه ، ويظهر الشمس السّاطعة للإمام الحجّة بن الحسن أرواحنا لمقدمه الفداء ، ويوصله الدّين إلى ساحل الأمان والقضاء عليهم ويجتثّ جذورهم.

  يظنّ هؤلاء أنّهم حقّقوا بعض الأهداف والأغراض، غافلين أنّ النّهاية السّوداء ستكون في انتظارهم ، وستوغل رؤوسهم في الوحل ، وسيشهد العالم أجمع ذلّتهم وخيبتهم، وإنّ ذيول تلك القوى والفرق الضّالّة لم يشاهدوا سوى تلك الغربان السّوداء ، ولم يبحثوا عن بصيص من النّور والهداية، وبما أنّه قد ضرب على سمعهم؛ فإنّهم لايعون.

  فيا ليتهم ؛ يعلمون أنّ هذه الحياة هي جسر للاخرة ، ومدّتهم فيها محدودة وقصيرة ، ويا ليتهم يفهمون أنّ نهاية اللّيل الحالك هو النّور ، وسوف تسطع في نهاية المطاف الأنوار البهيّة للإمام صاحب العصر والزّمان عجّل اللَّه تعالى فرجه على جميع الأصقاع ، ويملئها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.


1) بحارالأنوار : 25/70 .

2) بحارالأنوار : 59/70 .

3) بحارالأنوار : 64/70 .

4) سورة الحشر ، الآية 19 .

5) بحارالأنوار : 120/51 . 

 

 

    زيارة : 3367
    اليوم : 33256
    الامس : 58112
    مجموع الکل للزائرین : 130212900
    مجموع الکل للزائرین : 90286789